خطبة:فضائل رمضان                     

 قال تعالى.{ يومَ تجدُ كلُ نفسٍ ما عملتْ من خيرٍ مُحْضَراً وما عملتْ من سوءٍ تودُّ لو أنَّ بينها وبينَهُ أمداً بعيداً }

أيها المؤمنون الكرام .

كنتم  في شهر الخير والبركة تصومون نهاره وتقومون من ليله وتتقربون إلى ربكم بأنواع القربات طمعاً في ثوابه وخوفاً من عقابه . حل عليكم شهر رمضان لترجعوا إلى ربكم بالتوبة والأعمال الصالحة.وتَتَرَبَّوْا على فعل الطاعات وترك المحرمات . وتتلقوا دروس الصبر،وتنتصروا على النفس الأمارة

بالسوء . فما تنقضي أيام هذا الشهر المبارك إلا وقد ألفتم الطاعة .وكرهتم المعصية وتربيتم على الأخلاق الفاضلة .

عباد الله : إنِ انقضى موسم رمضان فبين أيديكم موسم يتكرر في اليوم والليلة خمس مرات وهو الصلوات الخمس . التي فرضها الله على عباده . تُدْعَوْنَ لحضورها في المساجد . لتقفوا بين يدي مولاكم وتدعوه وتستغفروه ، وتسألوه من فضله. اتقوا الله وتفكروا في أحوالكم وسرعة زوالكم . بالأمس القريب كان المسلمون ينتظرون دخولَ شهرِ رمضان انتظار قدوم الضيف الغالي.والوافدِ الكريم.طمعاً فيما أعده الله فيه من الخيرات.ورغبة في التنافس في الطاعات فهو موسمٌ تُعرَضُ فيه أغلى السلع بأرخص الأسعار . تُعرضُ فيه الجنة الغالية . حيث تُفتَّحُ أبوابها.وتُيسَّرُ أسبابها تُعرض فيه المرابح العظيمة.

بالأمس القريب . كنا نترقب حلول هذا الشهر المبارك . واليوم بكل مرارة وأسى انتظرنا انتقاله ونهايته . كما هي سنة الله في خلقه .

إن لكل مقيم في هذا الدنيا ارتحالاً .ولكل موجود زوالاً.فلننظر في واقعنا مع أنفسنا ونوازن بين حالتنا قبل دخول هذا الشهر .  وحالتنا الحاضرة . هل صلحت أعمالنا . هل تحسنت أخلاقنا . هل استقام سلوكنا . هل لانت قلوبنا هل زادت رغبتنا في الخير وكراهتُنا للشر .يامن عَرَفْتَ في رمضان أن لك رباً كيف نسيته بعد رمضان .يا من عَرَفْتَ في رمضان أن الله أوجب عليك الصلواتِ الخمسَ كيف جهلت ذلك أو تجاهلته بعد رمضان . يا من عرفت في رمضان أن الله حرم عليك المعاصي كيف نسيت ذلك بعد رمضان . يا من عرفت في رمضان أن أمامك جنةً وناراً.وثواباً وعقاباً.كيف نسيت ذلك بعد رمضان .يا من كنتم تملئون المساجد في رمضان وتتلون كتاب الله فيها.لا تهجرون المساجد والقرآن بعد رمضان . نعوذ بالله من العمى بعد البصيرة.ومن الضلالة بعد الهُدى. لقد كانت المساجد في رمضان تغصُّ بالمصلين في الأوقات الخمسة.برجال لم ينـزلوا من السماء . وإنما يسكنون بجوار المسجد طول السنة . ويملئون البيوت. لكنهم  لا يعرفون المساجد في غير رمضان.ولا يخافون الله في غير رمضان.

أيها المسلم : يامن  بنيتَ حياتك على الاستقامة في هذا الشهر المبارك.دُمْ على ذلك في بقية حياتك ولا تهدم ما بنيتَ بعودك إلى المخالفات فتكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً. يا من اعتاد حضور المساجد وعمارة بيوت الله بالطاعة وأداء صلاة الجمعة والجماعات . واصل هذه الخطوة المباركة ولا تقلل صلتك بالمساجد يا من تعودت تلاوة القرآن في هذا الشهر المبارك . داوم على تلاوته . ولا تقطع صلتك به فانه حبل الله المتين.وهدى ونورٌ وشفاء لما في الصدور.فلا تُعرضْ عنه بعد رمضان.فانه لا غنى لك عنه بحال من الأحوال. يا من اعتدت الصيام في رمضان.امضىِ في هذه العادة الحميدة . فان الصيام لايزال مشروعا في العام كله . وهناك أيام من السنةِ حث النبي صلى الله عليه وسلم على صيامها.منها صيام ستة أيام من شوال.قال صلى الله عليه وسلم :{ من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر } ومنها صيام ثلاثة أيام من كل شهر.ومنها صيام يوم عرفة.ومنها صيام يوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده.ومنها صيام يوم الاثنين والخميس . ومنها صيام عشر ذي الحجة. كل هذه الأيام يستحب صيامها.يا من تعودت في هذا الشهر المبارك بذل الصدقاتِ والاحسانَ إلى الفقراء . واصل سيرتك الخيرة في بقية السنة فتصدق. { إن الله يجزي المتصدقين }

بكى بعض السلف عند الموت . فسئل عن ذلك فقال . أبكي على ليلة ما قمتها  وعلى يوم ما صمتُه . فإذا كان الإنسان سيندم عند الموت .  على ترك النوافل فما بالكم بندامة مَنْ ضيع الفرائض .

كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يُبَلّغَهم رمضان.فإذا بلغهم إياه. وعملوا فيه عملاً صالحاً . دَعَوُا الله ستة أشهر أن يتقبله منهم.فكل زمانِهم رمضان . والآن انقضى شهر رمضان فلا ترجعوا بعده إلى المعاصي فان رب الشهور واحد ولاتهدموا ما بنيتم فيه من صالح الأعمال فان من علامة القبول الحسنة اِتْبَاعُها بالحسنة . واشكروا الله على استكمال شهر رمضان بالصيام والقيام . واسألوه القبول والعفو عن التقصير.وواصلوا بقية دهركم بالأعمال الصالحة.ومما ينبغي علينا أن نستغفر الله تعالى.فالاستغفار ختام الأعمال الصالحة كِلّها.

ولقد شرع الله لكم في ختام هذا الشهر المبارك عباداتٍ تزيدكم من الله قرباً.فشرع لكم صدقة الفطر.وهي فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم. على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد وهي زكاة البدن . وطهرةٌ للصائم من اللغو والاثم والرفث.وهي شكرٌ لله على إتمام الصيام والأعمال في هذا الشهر .

ولأن الصوم معلقٌ بين السماء والأرض ولايرفع إلى الله إلا بصدقة الفطر.فلا تنسوا هذه الفريضة ولا تتكاسلوا عنها.لعل الله سبحانه يتجاوز عنا .

  خطبة الجمعة في جامع الدلامية                                     

  للشيخ حسين صعبية

 بتاريخ 2 شوال 1418 هجري                    الموافق 30/1/1998 م